ما يميز الإنسان من
غيره من الكائنات الحية هو امتلاكه لضمير يفترض أن يكون راشدته ودالته
ورقيبه الداخلي على الصعيد الأخلاقي والإنساني وغياب الضمير أو ضعفه ينقل
الإنسان
من مرتبته الإنسانية الى مستوى حيوان بيولوجي له شكل إنسان ولا شك
أن المواقف التي تبرز الجانب الحي في النفس البشرية تثير الكثير من
الاحترام عند البشر على مختلف أشكالهم وأجناسهم وتجعلهم يتوحدون في المشاعر
والمواقف.
[size=16]
حادثة مهمة شهدتها إحدى القرى في الريف الفرنسي وتناقلتها بعض
الصحف الفرنسية والعالمية وهي جديرة بالوقوف عندها لما لها من دلالات ومعان
مهمة تبرز الجانب المضيء والحي في النفس البشرية مضمونها أن رجلاً فرنسياً
في الأربعين من العمر أقدم على شنق نفسه والسبب في ذلك أنه بينما كان يقود
سيارته الخاصة في قرية دروا الى الشرق من باريس العاصمة الفرنسية صدم
طفلاً في الثالثة عشرة من عمره كان يقود دراجة على الطريق ما أدى إلى وفاته
ويقول الخبر إن السائق هرع لإسعاف الطفل الذي ما لبث أن فارق الحياة ولعله
من قبيل المصادفة ان تكون والدة الطفل تقود سيارة جاء مرورها في نفس
الوقت، حيث تفاجأت بأن الذي صدم هو ولدها والأغرب من ذلك تبين أن الطفل
المتوفى كان قد استعار الدراجة قبل دقائق من أحد جيرانه.
[size=16]
السائق الفرنسي صدم وأصابه حزن وألم شديد بسبب الحادث وما كان منه
إلا أن ركب سيارة زوجته بحجة الذهاب لغابة قريبة من القرية وبعد فترة قصيرة
لحق به بعض أصدقائه فوجدوه مشنوقاً إلى جذع شجرة.
[size=16]
هذه الحادثة تثير في النفس الكثير من المشاعر الإنسانية والحزن
العميق عند من يعيش تفاصيلها وبقدر ما فيها من دلالات إنسانية فإنها بالقدر
نفسه تجعلنا نسلط الضوء على أولئك الذين يمعنون في قتل الأبرياء في أكثر
من مكان من عالمنا وهم يقومون بأفعالهم هذه بقلوب قاسية ودماء باردة ناهيك
بالذين لا يكتفون بقتل الأجساد، بل يمعنون في قتل المشاعر والأحاسيس والقيم
الإنسانية فيحولون بعض الناس إلى وحوش مفترسة ويفخخون العقول والنصوص
ليحاولوا أن يجعلوا من عالمنا غابة ذئاب يأكل فيها القوي الضعيف.
[size=16]
حادثة قرية (دروا) تعطي الانطباع أيضا أن عالمنا الذي نعيش فيه ليس
عالم أشرار، بل إنه غني بقوى الخير وهناك مئات الملايين من البشر يتدفقون
حباً ونبلاً وإنسانية ولعله من مصلحة البشرية أن تعولم القيم التي يؤمنون
بها ليصبح عالمنا وكوكبنا أكثر أمناً وجمالاً وتناسقاً وتناغماً يقصي
الأشرار من دائرة فعله ويلجم ويطفئ ذلك الجانب المتوحش في سلوكهم.
[size=16]
إن الصراع بين الخير والشر كان في فلسفة الحياة الأولى ونزوع
الإنسان للقتل بهدف الاستمرار والبقاء والاستئثار ليست بالجديدة ولكن
الجديد هو كيف للبشرية أن تقبل ان يتحول الإنسان الى سلعة ووقود بدل ان
يكون قيمة ومعنى وهدفاً، هذا هو التحدي الذي يواجه عالم اليوم ولعل ما قام
به الرجل الفرنسي من سلوك هو إحدى تجليات ومظاهر ذلك التحدي، إنه انتصار
للقوى الخيرة والضمير الحي على قوى الشر من أكلة لحوم البشر.
[size=16]
إن ما تحتاجه البشرية هو الكثير من القيم والأخلاقيات التي تربى
عليها السائق الفرنسي الذي لم يحتمل العيش ترافقه مأساة شخصية، فضحى بنفسه
ليوقظ ضمائر من فقدوا الحس الإنساني ويضع اسم قريته دروا على رأس خارطة
عالم الأخيار!
[/size][/size][/size][/size][/size][/size]