عندما نتعامل مع قضية ضاربة بجذورها في التاريخ, ملتبسة هذا الالتباس مثل ختان الاناث, فإننا نحتاج الي مزيد ايضاح, لفك الالتباس, ولاقرار الحق, ونقوم بذلك في الخطوات التالية:.
1- تقرر عند علماء الحديث أنه لم يصح في ختان الاناث حديث, وأن كل الاحاديث الواردة فيه ضعيفة لا تقوم بها حجة, ويكفي هنا أن نشير الي البحث القيم الذي قام به شمس الحق العظيم ابادي في شرحه عون المعبود في شرح سنن أبي داود, وكذلك ما بحثه الامام الشوكاني في( نيل الاوطار), حيث قال العظيم آبادي في[ عون المعبود]:126/14: وحديث ختان المرأة روي من أوجه كثيرة وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة لا يصح الاحتجاج بها كما عرفت
ويقول الشوكاني في[ نيل الأوطار]191/1: ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج به, فهو لا حجة فيه علي المطلوب, وقال ابن المنذر: ليس في الختان خبر يرجع اليه ولا سنه تتبع.. ومن ذلك كلام ابن الحاج في المدخل, وكلها تبين أنها عادة وليست عبادة.
2-عندما نسأل عن وجوب أو سنية ختان الاناث, ونجيب بأن الفقهاء قالوا بأنها مكرمة, تعني أنهم نفوا عنها صفة الوجوب. ونفوا عنها صفة السنة, وبذلك فقد نفوا عنها صفة التشريع, وجعلوها من العادات, فإذا كانت العادات, فإن الامر فيها مردود الي الخبراء, والي البيئة, والي النفع والضرر المحيط بها, ولما كان السقف المعرفي للطب القديم بعضه يقول: انها لا تضر ولا تنفع, وبعضه يقول: ان فيها شيئا من النفع, فقد قال الفقهاء بناء علي كلام الاطباء انها مكرمة, ويفهم بعض الناس من نقلنا عن الفقهاء أنها مكرمة انها مرغوب فيها, والامر ليس كذلك, بل كلمة مكرمة هنا تكلم بها الفقهاء بناء علي المعارف الطبية, وليس بناء علي الشريعة الاسلامية, حيث انهم يضعفون الحديث الذي وردت فيه هذه العبارة, ولو استدلوا به, لاستدلوا به علي أنها ليست من الشريعة في شيء, وهو الحديث الذي رواه أحمد والبيهقي:الختان سنة للرجال مكرمة للنساء.
3- والمعارف الطبية أخذت في التطور والرصد للحالات والبحث الدقيق حتي استقرت الآن علي الضرر البليغ لختان الاناث فيما هو اجماع بين المتخصصين في هذا الشأن, والطبيب الذي يخالف هذا الاجماع, تراه غير متخصص فيه, وتراه يتكلم بطريقة غير علمية, وقد تتعلق بأمر آخر غير العلم من ثقافة سائدة أو ظن أن الشريعة تأمر به, فيكون متحرجا أو غير ذلك.
ومن المعلوم أن الفقهاء ربطوا كلامهم في كثير من المسائل بالاطباء, يقول الامام الشافعي عندما يتكلم عن كراهة الوضوء بالماء المشمس في كتابه الام ج1 ص7 ط دار قتيبة
ولا أكرهه الا من جهة الطب), وعندما يتكلمون علي مسائل الحيض والنفاس والولادة, وغير ذلك من الامور الصحية المتعلقة بالمرأة, فإنهم يرجعون الي الوجود, ويعنون بالوجود البحث الطبي, والرصد والتتبع, فقد تقرر أن مالا ضابط له في الشرع ولافي اللغة يرجع فيه الي الوجود, كما في فتح المنان شرح الزبد لابن رسلان, ص97 والمتصفح لكلامهم في هذا المعني يجده كثيرا.
4- ومنهجنا أننا نحترم المعرفة, وما من الله به علي الانسان من علم, وأننا لسنا من الذين يشتهون سب الاقدمين, ولا انتقاصهم, بل اننا نعظمهم غاية التعظيم, حيث قاموا بواجبهم علي منهج علمي رصين, يتفق مع ما اذن الله لهم من معرفة, ومن هنا تكلمنا عن أن الختان أربعة أنواع النوع الاول منه يتم فيه نوع من القطع أي الجرح وليس الاستئصال, والانواع الاخري يتم فيها الاستئصال, وأن النوع الاول هو الذي أقره الاطباء قديما, وهو المفهوم من الحديث الضعيف الذي لا تقوم به حجة أشمي ولا تنهكي وهو الذي صرح به الماوردي فيما نقله عنه ابن حجر العسقلاني, وتبعه النووي في ذلك من أن المقصود هو القطع لا الاستئصال, وأن الانواع الثلاثة انما هي عدوان يستوجب القصاص, أو الدية, وأن الدية فيها تصل الي دية النفس, في حين أن النوع الاول وهو أخفها انما هي من العادات المرتبطة بالمعارف الطبية, وحيث أجمع الاطباء المتخصصون أهل الفن الكبراء, وأطبقت كلمتهم علي ضرر هذا الفعل, فقد وجب القول بمنعه, وتحريمه, وتجريمه, وليس في ذلك تجريم لسنة قد تركها لنا المصطفي صلي الله عليه وسلم كما يدعي بعضهم.
5- ويعترض بعضهم أن بعض علماء الشريعة الكبارـ كالشيخ جاد الحق علي جاد الحق, والشيخ عطيه صقر- رحمهما الله وبارك فيهما وفي علمهما- في سنيننا المتأخرة أصدروا الفتاوي بأنه سنة أو واجب, وأقول بكل ثقة إن ذلك منهم كان استمرارا علي المنهج الذي يرفض محض الأراء, والتقليد للآخرين, وأن نترك شيئا من موروثنا من أجل هذه الآراء او الرغبات, او ذلك التقليد, أما لو اطلع علي تلك الابحاث المتكاثرة, وهذا الاتفاق الذي أطبق عليه, فإنهم يرجعون اليه كما علمونا, فالامر في غاية الوضوح.
6- ومما ذكرناه أري انه يجب أن تطبق كلمة العلماء الشرعيين علي تحريم هذه الفعلة, حيث اننا نصحنا الاطباء بالبحث منذ أكثر من خمسين سنة, فبحثوا وأجمعوا, ونصحناهم بالمؤتمرات فاجتمعوا وقرروا, ونصحناهم بالاتفاق لا عن آراء ولا عن تقليد, وانما عن بحث وتتبع, بحثوا وتتبعوا واتفقوا, فوجب علي علماء الشرع كما علمنا مشايخنا أن يزيلوا هذا الالتباس, وأن يجتمعوا علي كلمة سواء, فإن الامر لا يحتاج الي كثير اختلاف بعدما تبين لنا الحال.