مصطفى مشرف قسم
عدد المساهمات : 2120 نقاط : 2946 تاريخ التسجيل : 10/08/2011 الجنس :
| موضوع: من وردك القرآني الجمعة مارس 22, 2019 9:24 pm | |
| من وردك القرآني سورة ال عمران (قل:اللهم مالك الملك:تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء . وتعز من تشاء وتذل من تشاء . بيدك الخير . إنك على كل شيء قدير . تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل . وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي . وترزق من تشاء بغير حساب). .
التفسير .. الظلال ..
نداء خاشع . . في تركيبه اللفظي إيقاع الدعاء . وفي ظلاله المعنوية روح الابتهال . وفي التفاتاته إلى كتاب الكون المفتوح استجاشة للمشاعر في رفق وإيناس . وفي جمعه بين تدبير الله وتصريفه لأمور الناس ولأمور الكون إشارة إلى الحقيقة الكبيرة:حقيقة الألوهية الواحدة القوامة على الكون والناس ; وحقيقة أن شأن الإنسان ليس إلا طرفا من شأن الكون الكبير الذي يصرفه الله ; وأن الدينونة لله وحده هي شأن الكون كله كما هي شأن الناس ; وأن الانحراف عن هذه القاعدة شذوذ وسفه وانحراف !
(قل:اللهم مالك الملك . تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء . وتعز من تشاء وتذل من تشاء). . إنها الحقيقة الناشئة من حقيقة الألوهية الواحدة . . إله واحد فهو المالك الواحد . . هو (مالك الملك)بلا شريك . . ثم هو من جانبه يملك من يشاء ما يشاء من ملكه . يملكه إياه تمليك العارية يستردها صاحبها ممن يشاء عندما يشاء . فليس لأحد ملكية أصيلة يتصرف فيها على هواه . إنما هي ملكية معارة له خاضعة لشروط المملك الأصلي وتعليماته ; فإذا تصرف المستعير فيها تصرفا مخالفا لشرط المالك وقع هذا التصرف باطلا . وتحتم على المؤمنين رده في الدنيا . أما في الآخرة فهو محاسب على باطله ومخالفته لشرط المملك صاحب الملك الأصيل . .
وكذلك هو يعز من يشاء ويذل من يشاء بلا معقب على حكمه , وبلا مجير عليه , وبلا راد لقضائه , فهو صاحب الأمر كله بما أنه - سبحانه - هو الله . . وما يجوز أن يتولى هذا الاختصاص أحد من دون الله . وفي قوامة الله هذه الخير كل الخير . فهو يتولاها سبحانه بالقسط والعدل . يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء بالقسط والعدل . ويعز من يشاء ويذل من يشاء بالقسط والعدل . فهو الخير الحقيقي في جميع الحالات ; وهي المشيئة المطلقة والقدرة المطلقة على تحقيق هذا الخير في كل حال: (بيدك الخير). . (إنك على كل شيء قدير). .
وهذه القوامة على شؤون البشر , وهذا التدبير لأمرهم بالخير , ليس إلا طرفا من القوامة الكبرى على شؤون الكون والحياة على الإطلاق: (تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ; وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ; وترزق من تشاء بغير حساب). . والتعبير التصويري لهذه الحقيقة الكبيرة , يملأ بها القلب والمشاعر والبصر والحواس:هذه الحركة الخفية المتداخلة . حركة إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل ; وإخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي . . الحركة التي تدل على يد الله بلا شبهة ولا جدال , متى القى القلب إليها انتباهه , واستمع فيها إلى صوت الفطرة الصادق العميق . وسواء كان معنى إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل هو أخذ هذا من ذاك وأخذ ذاك من هذا عند دورة الفصول . . أو كان هو دخول هذا في هذا عند دبيب الظلمة ودبيب الضياء في الأمساء والأصباح . . سواء كان هذا أو ذاك فإن القلب يكاد يبصر يد الله وهي تحرك الأفلاك , وتلف هذه الكرة المعتمة أمام تلك الكرة المضيئة , وتقلب مواضع الظلمة ومواضع الضياء . . شيئا فشيئا يتسرب غبش الليل إلى وضاءة النهار . وشيئا فشيئا يتنفس الصبح في غيابة الظلام . . شيئا فشيئا يطول الليل وهو يأكل من النهار في مقدم الشتاء . وشيئا فشيئا يطول النهار وهو يسحب من الليل في مقدم الصيف . . وهذه أو تلك حركة لا يدعي الإنسان أنه هو الذي يمسك بخيوطها الخفية الدقيقة ; ولا يدعي كذلك عاقل أنها تمضي هكذا مصادفة بلا تدبير ! كذلك الحياة والموت , يدب أحدهما في الآخر في بطء وتدرج . كل لحظة تمر على الحي يدب فيه الموت إلى جانب الحياة , ويأكل منه الموت وتبنى فيه الحياة ! خلايا حية منه تموت وتذهب , وخلايا جديدة فيه تنشأ وتعمل . وما ذهب منه ميتا يعود في دورة أخرى إلى الحياة . وما نشأ فيه حيا يعود في دورة أخرى إلى الموت . . هذا في كيان الحي الواحد . . ثم تتسع الدائرة فيموت الحي كله , ولكن خلاياه تتحول إلى ذرات تدخل في تركيب آخر ثم تدخل في جسم حي فتدب فيها الحياة . . وهكذا دورة دائبة في كل لحظة من لحظات الليل والنهار . . ولا يدعي الإنسان أنه هو الذي يصنع من هذا كله شيئا . ولا يزعم عاقل كذلك أنها تتم هكذا مصادفة بلا تدبير ! حركة في كيان الكون كله وفي كيان كل حي كذلك . حركة خفية عميقة لطيفة هائلة . تبرزها هذه الإشارة القرآنية القصيرة للقلب البشري والعقل البشري ; وهي تشي بيد القادر المبدع اللطيف المدبر . . فأنى يحاول البشر أن ينعزلوا بتدبير شأنهم عن اللطيف المدبر ? وأنى يختارون لأنفسهم أنظمة من صنع أهوائهم وهم قطاع من هذا الكون الذي ينظمه الحكيم الخبير ثم أنى يتخذ بعضهم بعضا عبيدا , ويتخذ بعضهم بعضا أربابا , ورزق الجميع بيد الله وكلهم عليه عيال: (وترزق من تشاء بغير حساب). . إنها اللمسة التي ترد القلب البشري إلى الحقيقة الكبرى . حقيقة الألوهية الواحدة . حقيقة القوامة الواحدة . وحقيقة الفاعلية الواحدة وحقيقة التدبير الواحد . وحقيقة المالكية الواحدة وحقيقة العطاء الواحد . ثم حقيقة أن الدينونة لا تكون إلا لله القيوم , مالك الملك , المعز المذل , المحيي المميت , المانح المانع , المدبر لأمر الكون والناس بالقسط والخير على كل حال .
| |
|